بلد فالت الا من رحمة الله

لبروفسور الاب يوسف مونس
امين سرّ اللجنة الاسقفية للاعلام
نشيد المراثي
تسمع الاخبار فكأنك تغرز بالرماح وهي تمزق جلدك ولحمك وانت تصرخ على الرصيف والخنجر يضربك حتى الموت والمارة يتفرجون عليك والوحش ينهش لحمك ويشرب دمك.
تفتح الراديو فتبدأ المرثاة: فلان قتل فليتان لاحقيته بالمرور، او فلان قتل امرأته ثم قتل نفسه. وكأنك مدعو الى وليمة قتل وكأس دماء، تقلب صفحات الجرائد تقرأ صفحات الاوباش والحيتان والوحوش ودراكولات مصاصي الدماء ومرضى الاعصاب والنفروباثيه NEVROPTHE والجلادون يتلذذون بدماء الضحايا ونجر اللحم عن العظم وهم يصرخون ويجعرون: كاسك يا وطن ويرقصون في عرس الدم على المزابل والنفايات وليس من سيد يحول الماء خمراً وكأس خلاص وفداء لنشرب في عرس الحياة. فكأن ادونيس مات الى الابد بين ايدي اله الظلام ثاناتوس THANATOS ولن يعود الى الحياة مع الربيع في شقائق النعمان. في ارض الربيع لبنان.
تلتقي بصديق فيبدأ حفلة الندب والرثاء والنواح والبكاءولا يقرأ معك ما قاله الرب لحن قيال انه سيجمع عظام الاموات ويضع عليها لحماً وشراييناً واعصاباً وسيشدها لتقوم وتمشي منتصبة، ونحن نشهد الى بعض ايام الفرح في وطن خائف ان ينزل الله عليه النار والكبريت لكثرة خطاياه ومظالمه لولا شفاعة القديسين والاولياء فيه.

ـ نفايات الاخلاق ومزابل القيم ـ

اقرعوا الطبول كما في المزامير وليتقدم المغنون وناقروا الاوتار والرفوف ليأتي الينا السلام في موطن الجمال وقد تحول مكباً للنفايات: نفايات المنازل ونفايات الاخلاق ومزابل القيم ونفايات الفساد والكذب والنفاق… لا تسألوني لم وجهي مخضب بالدماء وانا الطمه كما تلطم النائحة على حبيب وجهها وتولول وترقص رقصة جنون الموت والاسى حتى الاغماء لان اله الحياة والحب قد مات وقامت مكانه الهة اخرى وقياصرة وامراء شرعوا للجنس، والمثلية، والعنف المقدس، وشبق السلطة وشهوة الليبدو كما يقول فرويد.

ـ الوثينات الجميلة ـ

طردوا الله من الشرق الاوسط، واقاموا لهم الهة كاذبة حملوها اسمه. وتفاقمت ازمة الشرق الاوسط التي هي ارض الله وارض الوثنيات الجميلة حيث تتعايش الالهة وصار الخليفة خليفة الله وباسمه يطارد العقل والحب والجمال والحرية وكرامة الانسان. قام اصحاب الهستيريا النفسية والعقد الجنسية والكبت يعقمون خصوبة النص المقدس في دلالاته وتأويله فجعلوا له تأويلاً واحداً دموياً قاطعاً للرؤوس، اخذاً السبايا بائعاً المرأة، هاذياً الاطفال للتلذذ بهم.
وابتدأت مشهدية التراجيديا الدموية في احتفالية طقوسية كرنفالية تتقيأ الجثث وترقص مع فنانين الموت والدمار على بقايا الحضارات المهدومة والزلزال الكبير خط واحد في هذا الشرق الاوسط الذي يضربه برص الحقد والكراهية للآخر المقرف جنسياً ولوناً وارضاً وعرقا ودينا ومعتقداً وتفكيراً وايماناً، ان الثورة العارية من كل دين واخلاق وجمال وانسانية ورحمة وشفقة. انها ثورة التوحش والبربريات ثورة الافتراس ونهش الآخر موضوع الحب والجمال ورفسه في الشارع امام اعين الناس.

ـ هل غابت عنا شمس الحق والحب ـ

هل اصبحنا ارضاً غابت عنها شمس الحق والرجولة والخير والمحبة والنخوة والالهية الجميلة. بعدما تصاعد عندنا المد الاصولي وقد ارسل الينا الرب في لبنان نخبة من القادة الروحيين والمدنيين والعسكريين يحملون مشعل الخطاب المنوّر بالمحب الراعي للبنان النموذج، لبنان العيش المشترك ونعمة العيش مع الآخر وقبوله وحبه واحترمه.
هذا الآخر المختلف هو الذي يعطي المعنى لوجودي لاصبح كائن «المعية» اي ان اكون، تعني ان اكون مع آخر والا فلا معنى لوجودي لذا كنت وحيداً ولا ينظر الي، آخر فاعتني بلقياه وحبه والسير معه الى افاق الحياة والحب والخير والجمال.

ـ تعال يا الله ـ

فتعال يا الله انزل على هذا الجحيم الذي نحن فيه ضلع ابوابه وانتشلني برحمتك وانتشل وطني لبنان واهله واعده الى حبك وخلاصك وسمائك. اعطنا يا الله برحمتك، لاجل رحمتك وشفاعة قديسينا ان يكون لنا على الارض بعض ايام السماء! ارحم يا رب! ارحم شعبك ولا تسخط علينا الى الابد وتترك البلد فالت سكران من رائحة ا لموت اجعله يا رب لا يفلت من رحمتك اعد اليه هذا «دلالة المجهول» كما قال بولس في اثينا على جبل الالهة ليعطينا موعداً مع القيامة والسعادة والحياة والمحبة ابنك في المسيحية وروحك في الاسلام.
لا تجعلنا يا رب نقع في خطيئة التعصب والبغضاء والكراهية ونبتعد عن الرحمة والمحبة والتعاطف والتراحم والتسامح والاخاء والتعايش ونخسر لبنان الرسالة والنموذج ونبكي عليه لاننا لم نحافظ على النعمة التي وهبت لنا!

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله