ما كان العسكريون المتقاعدون يقطعون الطرقات لو أن في لبنان دولةً!

Doc-P-601411-636972261551599596.jpgعلى طريقة “ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجالًا” يمكن القول اليوم ما كان العسكريون المتقاعدون يقطعون الطرقات لو أن في هذه الدولة رجالًا، أو بالأحرى لو كان في لبنان دولة كاملة الأوصاف، تحفظ حقوق مواطنيها، سواء أكانوا عسكريين متقاعدين أو أساتذة أو موظفين، الذين يعتبرون أن ما تتخذه دولتهم من “إجراءات موجعة” من أجل إنقاذ سمعتها أمام المجتمع الدولي وتجميل صورتها أمام “سيدر” تستهدف الحلقة الأضعف في المجتمع اللبناني، أي الفئة المستضعفة، التي لا تجد سبيلًا لإيصال صوتها سوى بقطع الطرقات، مع تسليم القائمين بهذا التحرّك بأن ما يقومون به يسبّب إزعاجًا للمواطنين الذين يقصدون أعمالهم، وقد علقوا لساعات على طرقات لبنان، شمالًا وجنوبًا وسهلاً، ولم ينسوا أن يكرروا إعتذارهم من مواطنينهم لما لحقهم من إزعاج.

ولم تمضِ ساعات على بدء التحرّك، الذي بدا هذه المرّة أكثر جدّية من المرّات السابقة، حتى تدّخلت قيادة الجيش وتمنًت على العسكريين المقتاعدين وقف تحرّكهم وإعادة فتح الطرقات، فكان تجاوب عام مع هذا التمني، مع تأكيد القائمين به أن حركتهم لن تهدأ حتى العودة عن الإجراءات التي طاولتهم في مشروع الموازنة، وهذا الأمر وضع في رسم المعنيين، سواء في لجنة المال والموازنة أو في الهيئة العامة لمجلس النواب، الذي سيحال إليها هذا المشروع لإقراره.

فعلى رغم إقرار الناس بإحقّية مطالب الذين قطعوا عليهم الطرقات فإن ما تركته هذه الخطوة لا يمكن وضعها في خانة الإيجابيات لمصلحة هذه المطالب، وهذا ما اشار إليه وزير الدفاع الياس بوصعب بالأمس، بإعتبار أن مصالح الناس ليست ملكًا لأحد، ولأن قطع الطرقات العامة، وإن كانت وسيلة للضغط على الطبقة السياسية، أمر لا يجوز لأي كان، أيًّا تكن أحقّية ما يطالبون به، لأن من في يدهم الأمر لم يتضرّروا، ولم يضطرّوا للإنتظار ساعات للوصول إلى أعمالهم.

ما قامت به قيادة الجيش، التي أعلنت تضامنها مع مطالب المتقاعدين، موقف يمكن إدراجه في خانة الإنجازات التي تراكمها هذه القيادة، وهي التي تعهدّت بإثارة هذه المطالب مع الجهات المعنية بكل هدوء توصلًا إلى يؤمّن المصلحة العامة أولًا وأخيرًا.

وفي إعتقاد بعض الأوساط المتابعة أن رسالة المتقاعدين، وإن كان ثمة إختلاف على الأسلوب، قد وصلت ولم يعد من حاجة لتعطيل مصالح الناس واللجوء إلى قطع الطرقات، لأن الإستمرار في إتباع هذه السياسة سيكون لها مضاعفات عكسية، وقد تؤدي إلى نسف الجهود التي تقوم بها قيادة الجيش توصلًا إلى أنصاف الحلول، التي تأخذ في الإعتبار مصلحة الخزينة العامة من جهة ومصلحة المتقاعدين من جهة أخرى.

بإختصار، وبعد هذه الساعات الطويلة وما تركته من نتائج، فإن ثمة حاجة لأن تعود الدولة إلى ممارسة دورها تجاه مواطنيها، وأن تلجأ إلى سد عجز الموازنة إلى الأمكنة الصحيحة، والتي من شأنها، في حال وقف مزراب الهدر وقطع دابر الفساد، أن تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله